كايل أورتون -مدونة كايل الخاصة: ترجمة السوري الجديد
منذ بداية الحرب السورية، قام نظام بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران بإدارة حرب إعلامية مكثفة جدا، ليصوّر نفسه على أنه ضحية مؤامرة دولية. حيث أن معارضيه هم الإرهابيون من تنظيم القاعدة وفروعه الذين يتم استخدامهم من قبل أجانب -كدول الخليج وتركيا واسرائيل والولايات المتحدة- لإسقاط دولة المقاومة.
أما الجزء الآخر من هذه الرسائل الاستراتيجية، فهو موجه للغرب الذي يتهمه الأسد بدعم الإرهاب الجهادي السلفي ضده، وفحوى هذه الرسائل هو:
الأسد هو البديل الوحيد للإرهابيين، وعلى الغرب أن يدعمه، قد يكون مجرم حرب، لكنه سيحمي الأقليات –ويكمن دوره في تعريضهم للخطر عن طريق البدء بحرب طائفية ضد الأغلبية السنية ودعم التكفيريين داخل التمرد بهدف تفكيك أي معارضة مسلحة شرعية- وليس لديه أي خطط فورية لقيادة الطائرات فوق ناطحات السحاب الغربية. (وللذكر، فإن الجبهة الأمامية لقوات الأسد البرية هي عبارة عن قوات طائفية راديكالية وجهاديين شيعة أجانب تحت قيادة إيران، البعض منهم مسؤولون عن قتل ربع الجنود الأمريكيين الأربعة آلاف الذين سقطوا في بلاد ما بين النهرين. ويتم دمجهم في شبكة إرهابية تديرها الدولة، كانت قد ضربت أهدافا غربية ويهودية في جميع أنحاء العالم.
بالنسبة للأسد وحلفائه، فإنه من المفيد له أن يقوم محللون وأكاديميون وصحافيون وسياسيون مستقلون بنشر روايته، وألا يقوم بذلك المتحدثون الرسميون باسم النظام فقط. وفي آخر عشرة أيام، ظهر مثالان بارزان هما: ستيفن كينزر، صحافي مخضرم كتب لنيويورك تايمز وبوسطون غلوب، وجيفري سيكس، أكاديمي اقتصادي، يعمل في جامعة كولومبيا وكتب لهافينجتون بوست. قاموا بخلط نظريات المؤامرة وأنصاف الحقائق والكذب الصريح –ما نُسميه التضليل، في المصطلحات القديمة- كما قام كل من كينزر وسيكس بسرد نسخة عن رواية النظام. وهم أكثر من يعرفون لماذا فعلوا ذلك.
المسألة هي مسألة صياغة.
هناك نقطة مركزية بشأن التضليل في مقالات سيكس وكينزر، وهي أن الولايات المتحدة عازمة بشدة على الإطاحة بالأسد. فعندما اندلعت الانتفاضة في سوية، قال سيكس: “رأت وكالة الاستخبارات المركزية، والجبهة المضادة لإيران في اسرائيل والسعودية وتركيا، فرصة لإسقاط الأسد بسرعة، وبالتالي الحصول على نصر جيوسياسي”. لاحظ قائمة الدول التي استشهد بها سيكس بانها نسّقت ضدّ الأسد. ولكن من نواحي كثيرة، فإنه يجب القول أنه من الممكن أن يُغفر لسيكس تفكيره هذا.
في 2011 ومنذ ذلك الحين، كان المهتمون باحتواء إيران يدعمون الإطاحة بنظام الأسد، الذي يُعتبر بوابة إيران إلى العالم العربي وشريان الحياة لحزب الله الإرهابي في لبنان، ونظام على عتبة حلف الناتو، يزداد تبعية لإيران. ولكن في الحقيقة، كانت سياسة الولايات المتحدة في الأساس عكس ذلك تماما.
وعندما قال الرئيس أوباما أن “على الأسد التنحي” في آب 2011 ورسم “خطا أحمر” حول أسلحة الدمار الشامل الكيميائية في آب وكانون الأول 2012، لم تكن لديه أي نية لفرض أي منهما. وفي كانون الأول 2011، قال أوباما لنوري المالكي، الذي تمتد علاقته مع الاستخبارات الإيرانية إلى عقود: “لا نية لدينا للتدخل العسكري” في سورية. عمليا، نجحت حملة دعاية النظام. وكانت الولايات المتحدة تُعبِّر عن شكوك حول الانتفاضة السورية من حيث التذكير بنقاط حديث بشار الأسد في أوائل العام 2012، وبعدها بقليل، أصبحت نجاة الأسد جزءا من إعادة تنظيم أوسع للسياسة الأمريكية.
وصل أوباما إلى مكتبه عازما على تقليل التواجد الأميركي في الشرق الأوسط، حيث كانت الولايات المتحدة “مفرطة في استثمارها” كما قال مستشار الأمن القومي السابق لأوباما، توماس دوتيلون. وتنازل الرئيس عن سياسة الانغلاق مع إيران كوسيلة لتحقيق ذلك.
وعن طريق احترام أسهم إيران في المنطقة وإيجاد مجالات ذات مصالح مشتركة –كقتال الدولة الإسلامية (حتى لو كانت هذه المصالح المشتركة وهمية)- أملَ أوباما أن تخلق توازنا يضبط نفسه بأقل تدخل ممكن للولايات المتحدة. كم أن الإتفاق النووي، يسهل التقارب، ويزيل قضية شائكة من العلاقات الأميركية الإيرانية ويعطي طهران القابلية للوصول إلى المواد الأولية لمتابعة هذه المصالح المتداخلة.
بطبيعة الحال، كان هذا ضرباً من الخيال، ولكن كان له آثار عملية. وتمتلك إيران فيلق القدس وغيره من الأدوات الغير متماثلة التي تعني أن أي محاولة لإيجاد توازن بين إيران وجيرانها، سيُرجح الكفة لإيران. وقد وجدت الأخيرة، بانخفاض استثمار الولايات المتحدة في المنطقة، فرصة لإنشاء هيمنتها الخاصة، ومع الدعم الروسي، كانت إيران على الطريق الصحيح. ولما كانت الولايات المتحدة تريد اتفاقا مكتوبا – بدلا من التأكد من من نزع سلاح إيران- فهذا يعني أن كفة المفاوضات تميل لإيران، ويعني أيضا، أن إيران قد تنتزع تنازلات في المنطقة، مع تهديد ضمني بترك طاولة المفاوضات إذا لم تحصل على تلك التنازلات.
وللحفاظ على الإتفاق النووي ومفهوم أوباما لنظام إقليمي جديد، أُعطيت سورية لإيران باعتبارها منطقة نفوذ. وكانت إيران قد أُبلغت في وقت مبكر، عندما بدأت الولايات المتحدة بقصف الدولة الإسلامية، وقيل لها أن الأسد لن يكون مُستهدفا، مُعطية الأسد ضمانا أمنيا أمريكيا تحت الأمر الواقع. وعمدت إيران على التأكد من ذلك عن طريق تحويل القوات الأمريكية في العراق إلى رهائن، معطية بذلك أوباما تسويغا لعدم إزعاج طهران في سورية.
وهكذا فإن الصياغة الكاملة للمقالات، خاطئ. لكن مرجع ذلك يعود إلى التحليل السيء، والإعتماد المفرط على التصريحات العلنية والرسائل التي تطلقها إدارة أوباما، بدلا من التركيز على أفعالها. لكن أجزاء أخرى من المقالة، لم تكن عرضة للتفسيرات البريئة!
الأسد المنقذ
في غضون شهر من التدخل الروسي، نزح أكثر من 35000 شخص من قريتين فقط في حلب، كما نزح أكثر من 120000 شخص أو أكثر في المجموع بسبب قصف الطيران الروسي، أو بسبب دعم القوة الجوية الروسية لهجمات من قبل قوات موالية للنظام، تقودها عادة قوات أجنبية تسيطر عليها إيران. وفي غضون أيام من تمكين روسيا للقوات البرية الموالية للنظام، لقطع خط الإمداد الأخير من تركيا إلى المتمردين في شرق مدينة حلب في 3 شباط، فرَّ 70000 من المدنيين، خوفا من فرض الحصار والتجويع الذي سبق أن طبقه النظام في 49 موقعا آخر. وأصبح العديد ممن تبقى في مدينة حلب، محاصرين لسبب أو لآخر، فمثلا، لأنهم نازحون أصلا ولا يملكون الموارد الكافية للتنقل مرّة أخرى، أو أنهم كبار في السّن. حيث كانت هذه القضية حاسمة إلى حد ما، لكي يذهب الناس إلى ظروف وأماكن أكثر أمانا وفائدة.
ووفقا لمنظمة العفو الدولية، ارتكبت روسيا جرائم حرب فاضحة ومباشرة. تستهدف المدنيين عمدا، ومن ثم تتابع هجماتها على أول من يرد على جرائمها، في حملة بلا رحمة، تهدف إلى ترويع السكان لحملهم على الخضوع.
هذه الأعمال الوحشية المزدوجة، ضدّ مجموعات مثل الدفاع المدني (الخوذات البيضاء)، التي أنقذت عشرات الآلاف من الأرواح، كان قد تم توثيقها مرارا وتكرار. كما استهدفت روسيا أيضا البنى التحتية المدنية، كالمشافي والمدارس بشكل ممنهج. لم تكن الرِقة، إحدى صفات موسكو القيادية، ولم تكن المستشفى التي قصفتها طائراتها كأي مستشفى، بل كانت مستشفى للأطفال المرضى والمصابين بالعجز جراء قصف الغارات الروسية على الأرض الإثنين الماضي.
في الوقت نفسه، كان نظام الأسد الذي تدعمه إيران وروسيا في كل المراحل، لا يحمل المسؤولية الأخلاقية عن كل حالة وفاة في هذه الحرب وحسب، فمنذ أن واجه الاحتجاجات السلمية بالذخيرة الحية، وحول الصراع ضدّ النظام إلى حرب دينية كبيرة، وذهب بطريقة ما ليميّز نفسه –متجاوزا الدولة الإسلامية- بمقياس خاص بإجرامه ووحشيته، وكان 600 شاهد وجبل من الوثائق من الداخل السوري قد أوصلوا الأمم المتحدة إلى استنتاج مفاده أن النظام السوري مذنب بالإبادة والاغتصاب، وخمس جرائم أخرى ضدّ الإنسانية، ومجموعة كبيرة من جرائم الحرب.
وقد كشف المنشق قيصر عن تصفية 11000 سجين على الأقل من قبل النظام باستخدام التعذيب والتجويع. ويعتقل النظام حوالي 200,000 شخص في ظروف غير إنسانية. وفي تشرين الثاني 2011، بعد أقل من شهر من إندلاع المقاومة المسلحة المنظمة، أفادت الأمم المتحدة أنه ومن بين التكتيكات التي كان النظام يستخدمها لقمع الانتفاضة، إغتصاب الأطفال الذكور أمام أهاليهم. كما كانوا يضعون الفئران داخل الأعضاء التناسلية للأسرى النساء، مما يسبب لهم نزيفا حادا يؤدي إلى وفاتهم.
لقد قامت الدولة الإسلامية بحرق طيّار حي داخل قفص، ولكن ميليشيات إيران الطائفية، وقوات الدفاع الوطني، تحرق عائلات بأكملها وهي حية داخل بيوتها. وذلك قبل أن يبدأ النظام بتنفيذ أساليبه الحربية –كالقصف المدقعي العشوائي، والبراميل المتفجرة، والغارات الجوية على المدن الأثرية، وأسلحة الدمار الشامل الكيميائية، وأسلحة الكلور الحارق التي تستعمل للترهيب- التي تهدف إلى القتل الجماعي وتشريد الناجين.
هذه ليست معلومات مقصورة على فئة معينة. بمعنى أنه لا حجة لأن يكتب كينزر: “قد شهد الناس أخيرا، بصيصا من الأمل في حلب هذا الشهر” في إشارة إلى احتمالية إعادة الأسد السيطرة على مدينة حلب. وليس هناك عذر أيضا، لسيكس ليكتب –في وقت تستخدم روسيا فيه الحديث عن وقف إطلاق النار للتغطية على تقدم خطوطها الأمامية في حلب، ومكاسبها من العدوان، التي تأمل أن يعترف بها المجتمع الدولي- بأن: “سياسة الولايات المتحدة في فترة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون (كانون الثاني 2009- كانون الثاني 2013) وحتى الآن، كانت تغيير النظام أولاً، ووقف إطلاق النار لاحقاً.
تحويل اللوم
ولأن كل من سيكس وكينزر، يقدمان عالما يكون فيه الأسد فيه هو الضحية، عوضا عن كونه الجاني في الكارثة السورية، فالنتيجة المباشرة لهذا الطرح، هي إلقاء اللوم في مكان آخر. وتماشيا مع دعاية النظام فإن هذا العبء يقع على عاتق الولايات المتحدة بشكل كبير.
وللضغط على هذا الجدال، الذي يقول بأن الأسد هو المظلوم في الحرب، يلوم سيكس الولايات المتحدة على خرق وقف إطلاق النار في آذار 2012. “فقد غرقت جهود كوفي عنان للسلام بسبب إصرار الولايات المتحدة الذي لا يتزعزع بأن تغيير النظام بقيادة الولايات المتحدة يجب أن يسبقه أو على الأقل يرافقه وقف إطلاق النار”. يقول سيكس.
كما يقول كينزر الشيء نفسه: “في عام 2012، انضمت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى تركيا والمملكة العربية السعودية واسرائيل في محاولة ناجحة لقتل خطة سلام كوفي عنان في الأمم المتحدة، لأن ذلك يؤدي إلى استيعاب إيران وإبقاء الأسد في السلطة ولو مؤقتا” ولكن هذا ليس صحيحا.
لقد حثت الولايات المتحدة المعارضة السورية، على عدم استعمال العنف، بعد أن أصبح من الواقع أنه إما أن يدافعوا عن أنفسهم بالقوة، أو يعانوا الموت، وما هو أسوأ، إلى جانب عائلاتهم. وكان الأسد قد خرق وقف إطلاق النار في كانون الثاني 2012، عندما قصف الزبداني وحولها إلى أنقاض. كما خرق اتفاقا آخر لوقف إطلاق النار بشكل حاسم، في الرابع من آذار، –الذي لم يجر أبدا- عندما ارتكب الأسد متعمدا، مجزرةً طائفية في الحولة في أيّار، قاتلا فيها أكثر من مئة مدني.
من الضروري أيضا بالنسبة لسيكس وكينزر أن يقوموا بتشويه سمعة الثوار. إذ يقول سيكس أن الثورة “كانت تمردا بقيادة وكالة الاستخبارات المركزية”. حيث أن “المرتزقة التي أرسلتهم الوكالة للإطاحة بالأسد هم جهاديون راديكاليون”. “إذا عُرضت الحقيقة كاملة، فإن عدة فضائح متعلقة بهذا الشأن، ستنافس فضيحة ووترغيت الشهيرة في هز أسس إنشاء الولايات المتحدة”. يقول سيكس هذا، بدون تقديم أي دليل. كما يشير كينزر إلى الثوار بأنهم “ميليشيات عنيفة” بدأ “استيلاؤهم على حلب بموجة من القمع”
ويتهم كلاً من سيكس وكينزر وسائل الإعلام الغربية بالتستر على حقيقة ما حصل في سورية. حيث يسأل سيكس، مجاوبا: “أين هو الإعلام المؤسساتي في هذه الهزيمة؟”.وكتب كينزر: “جزء كبير من الصحافة الأمريكية، تنشر تقاريرا بعكس ما يحدث في الواقع”. وفي نفس الوقت يشيد كينزر بالمراسلين قائلا: “مراسلون شجعان ومدهشون في منطقة الحرب”. كما يقول: “أن أصواتهم تضيع في خضم الأصوات المتنافرة… والتي يطغى عليها الإجماع في واشنطن”، وتأخذ تعليماتها من “النخبة الحاكمة المفطورة على الكذب” كما وصفهم.
وكون كينزر لم يبعث تقاريره من الداخل السوري، فهذا لا يفسد قضيته، ولكن محاولته للتكلم بالنيابة عمن فعلوا، عندما يعارضون وجهة نظره، تقوض حجته بشكل كبير. مثل ماري كولفين، وأوستين تايس، وجيمس فولي، وسام داغر، ومايك غيغليو، ورانيا أبوزيد، وديفيد إنديرز. من الصعب أن تفكر بأي أحد كان في سورية ويدعم رواية النظام كما يروج لها سيكس وكينزر.
أكاذيب وأوهام
تتميّز مقالات سيكس وكينزر بأنها تحوي مواداً من الصعب أن لا تستنتج دلالتها على أجندة معينة. يتشارك الإثنان في الأجندات، إلا أن سيكس يبدو مشوشا بنظريات المؤامرة من النوع التقليدي جداً.
وقد كتب كينزر: “ليس لدينا معلومات حقيقية حول المقاتلين”. مجدّداً، هذا ليس صحيحاً. فقد شرح السفير السابق للولايات المتحدة في سورية، في منتصف 2014، أن الولايات المتحدة عرفت هوية الثوار “منذ سنين”. وآخرين –من ضمنهم أنا- حاولوا إعطاء تفاصيل تكنيكية، ليس فقط عن مكونات الثورة بالأرقام، ولكن عن الفروق الإيديولوجية والاتصالات بين مختلف المجموعات.
يزعم كينزر نقله عن شخص حلبي قوله: أن الأسد و”حلفاؤه فقط” هم من “يحاربون الدولة الإسلامية”. وهذه كذبة مباشرة. كما أشرت في الأعلى، فإن النظام قد ترك الدولة الإسلامية وحالها، كذلك فعلت روسيا، وركز على القضاء على الثوار القوميين، الذين كانوا، في الحقيقة، يحاربون الدولة الإسلامية. ويهمل كينزر، بما يتناسب مع مصلحة مقالته، حقيقة أن هؤلاء الحلفاء هم جهاديون طائفيون تديرهم إيران، ومنهم ثلاث مجموعات مصنفة كإرهابية وهم: فيلق القدس، وحزب الله اللبناني وكتائب حزب الله.
وفي أغزر مقطع من مقالته، يقول كينزر: “يقول لنا صحافيون في واشنطن، أن جبهة النصرة هي قوة فعالة في سورية، تتكون من “الثوار” أو “المعتدلين” وليست فرعا محليا للقاعدة. كما تصور السعودية على أنها تدعم مقاتلي الجيش الحر، لكنها في الحقيقة، هي الراعي الرسمي للدولة الإسلامية. وكانت تركيا، لأربع سنوات، تدير “خطوط تهريب” لمقاتلين أجانب يريدون الإنضمام للمجموعات الإرهابية في سورية. ولأن الولايات المتحدة تريد البقاء في الجانب الجيد لتركيا، فإننا لا نسمع الكثير عن ذلك. ولا يتم تذكيرنا عادة بأننا وعلى الرغم من رغبتنا بدعم الأكراد والعلمانيين ذوي الخبرة القتالية العالية، فإن تركيا توغل بقتلهم.
كل ما تفعله روسيا وإيران، يوصف بالسلبية، وأنه يزعزع الاستقرار، ببساطة لأن روسيا وإيران يفعلونه، ولأنه خط واشنطن الرسمي.”
إنه لمن المغري أن نتأقلم مع ملاحظة ماري مكارثي حول ليليان هيلمان، ونقول: أن أي كلمة يكتبها كينزر هي كذبة حتى لو كانت “ال التعريف” أو حتى “وَ”.
لم ينكر أحدا أن جبهة النصرة هي فرع القاعدة في سورية، وقد تم الإبلاغ على نطاق واسع، عن دور تركيا باعتبارها بابا مفتوحا أمام الجهاديين السلفيين في بعض أوقات هذه الحرب. والاشتباكات مع حزب العمال الكردستاني، احتلت عناوين الأخبار لأسابيع، ولم يسبق تصوير تركيا بشكل إيجابي في معظم أجزاء التغطية الإعلامية.
يبدو أن الأسطورة التي تقول أن السعودية هي من يموّل الدولة الإسلامية، لن تموت، ولكنها ببساطة غير صحيحة. لقد اختارت الدولة الإسلامية قاصدةً، تجنب نموذج القاعدة في الاعتماد على الداعمين الخارجيين، منذ العام 2005. حتى في أسوأ حالاتها، فلم تحصل الدولة الإسلامية على أكثر من 5% من تمويلها من ممولين أفراد أجانب. ولا شيء من هذه الخمسة بالمئة جاء من الحكومة السعودية. وإذا أراد كينزر أن يبحث عن مصادر تمويل الدولة الإسلامية، فمن الأفضل أن يبدأ من صناعة النفط والغاز المشتركة مع نظام الأسد، والمدعومة من رجال أعمال وتقنيين تحت موافقة الكرملين.
ويختتم سيكس في مذكرة مختلفة نوعا ما: “مقاومة عوارض وكالة الاستخبارات المركزية، تحتاج إلى قيادة رئاسية كبيرة… يعتقد كثير من المؤرخين أن جون كينيدي، أُغتيل نتيجة لمبادرات السلام التي قام بها مع الاتحاد السوفييتي. مبادرات قام بها رغم اعتراض المعارضة اليمينيّة المتشدّدة في وكالة الاستخبارات المركزية وأجزاء أخرى من الحكومة الأمريكية”
لا يصدق “الكثير” من المؤرخين أن جون كينيدي أُغتيل من قبل عناصر “متشدّدة” في الحكومة الأمريكية، أما سيكس، فهو يؤمن بذلك بوضوح، وقد كتب كتابا عن ذلك. أوليفر ستون يؤمن بذلك أيضا. ولكن هناك العديد من الأشخاص الجديين الذين لا يؤمنون بذلك، لسبب بسيط، وهو أنك إذا تفحصت للحظة واحدة، سجل الرئيس كينيدي، كمحارب بارد، ستجده واضح وضوح الشمس.
الخاتمة
عانت سورية من قصور في التقارير، وقد أدى الجهد المشترك بين الأسد والدولة الإسلامية، لتقديم سورية كخيار ثنائي بينهما، إلى حملة رهيبة ضد وسائل الإعلام المستقلة التي تتعارض معهم. وعندما تراجع الأسد من شمال سورية في 2012، وبدأ وكلاء الدولة بملء الفراغ الناتج عن تراجع قواته، كان اختطاف الصحافيين واحدا من أوائل المهام التي قامت بها الدولة الإسلامية، لجعل المنطقة خطرة على الصحافيين، ومنطقة يحتكر النظام (وروسيا وإيران) والدولة الإسلامية تغطيتها الإعلامية. (وهنا كان الثوار منشغلين عن وضع البنى التحتية للإعلام، بخوض حرب على ثلاث جبهات مع النظام والدولة الإسلامية وحزب العمال الكردستاني)
لكن سيكس وكينزر، لم يكونوا محاولةً لتصحيح هذه المشاكل، بل كانوا محاولة منيعة، أقرب إلى حالة والتر دورانتي (كاتب بريطاني في نيويورك تايمز، كان يشغل منصب رئيس مكتب نيويورك تايمز في موسكو لمدة 14 عاما، بين (1922-1936) وربح جائزة بوليتزر لسلسلة تقارير عن الاتحاد السوفييتي، ولكن كان هناك هناك نداءات لسحب جائزته بعد أن أنكر جرائم الحصار والتجويع الجماعي التي ارتكبها الاتحاد السوفييتي في أوكرانيا. ومؤخرا وصفت الصحيفة تقاريره بأنها من أسوأ ما أصدرته الصحيفة في تاريخها) بدلا أن يكونوا كالمراسلين الشجعان الذين يعملون في الداخل السوري والذي يحاول كينزر أن يقتبس منهم لمآرب كاذبة، لتبرئة السفاح وداعميه.
منذ بداية الحرب السورية، قام نظام بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران بإدارة حرب إعلامية مكثفة جدا، ليصوّر نفسه على أنه ضحية مؤامرة دولية. حيث أن معارضيه هم الإرهابيون من تنظيم القاعدة وفروعه الذين يتم استخدامهم من قبل أجانب -كدول الخليج وتركيا واسرائيل والولايات المتحدة- لإسقاط دولة المقاومة.
أما الجزء الآخر من هذه الرسائل الاستراتيجية، فهو موجه للغرب الذي يتهمه الأسد بدعم الإرهاب الجهادي السلفي ضده، وفحوى هذه الرسائل هو:
الأسد هو البديل الوحيد للإرهابيين، وعلى الغرب أن يدعمه، قد يكون مجرم حرب، لكنه سيحمي الأقليات –ويكمن دوره في تعريضهم للخطر عن طريق البدء بحرب طائفية ضد الأغلبية السنية ودعم التكفيريين داخل التمرد بهدف تفكيك أي معارضة مسلحة شرعية- وليس لديه أي خطط فورية لقيادة الطائرات فوق ناطحات السحاب الغربية. (وللذكر، فإن الجبهة الأمامية لقوات الأسد البرية هي عبارة عن قوات طائفية راديكالية وجهاديين شيعة أجانب تحت قيادة إيران، البعض منهم مسؤولون عن قتل ربع الجنود الأمريكيين الأربعة آلاف الذين سقطوا في بلاد ما بين النهرين. ويتم دمجهم في شبكة إرهابية تديرها الدولة، كانت قد ضربت أهدافا غربية ويهودية في جميع أنحاء العالم.
بالنسبة للأسد وحلفائه، فإنه من المفيد له أن يقوم محللون وأكاديميون وصحافيون وسياسيون مستقلون بنشر روايته، وألا يقوم بذلك المتحدثون الرسميون باسم النظام فقط. وفي آخر عشرة أيام، ظهر مثالان بارزان هما: ستيفن كينزر، صحافي مخضرم كتب لنيويورك تايمز وبوسطون غلوب، وجيفري سيكس، أكاديمي اقتصادي، يعمل في جامعة كولومبيا وكتب لهافينجتون بوست. قاموا بخلط نظريات المؤامرة وأنصاف الحقائق والكذب الصريح –ما نُسميه التضليل، في المصطلحات القديمة- كما قام كل من كينزر وسيكس بسرد نسخة عن رواية النظام. وهم أكثر من يعرفون لماذا فعلوا ذلك.
المسألة هي مسألة صياغة.
هناك نقطة مركزية بشأن التضليل في مقالات سيكس وكينزر، وهي أن الولايات المتحدة عازمة بشدة على الإطاحة بالأسد. فعندما اندلعت الانتفاضة في سوية، قال سيكس: “رأت وكالة الاستخبارات المركزية، والجبهة المضادة لإيران في اسرائيل والسعودية وتركيا، فرصة لإسقاط الأسد بسرعة، وبالتالي الحصول على نصر جيوسياسي”. لاحظ قائمة الدول التي استشهد بها سيكس بانها نسّقت ضدّ الأسد. ولكن من نواحي كثيرة، فإنه يجب القول أنه من الممكن أن يُغفر لسيكس تفكيره هذا.
في 2011 ومنذ ذلك الحين، كان المهتمون باحتواء إيران يدعمون الإطاحة بنظام الأسد، الذي يُعتبر بوابة إيران إلى العالم العربي وشريان الحياة لحزب الله الإرهابي في لبنان، ونظام على عتبة حلف الناتو، يزداد تبعية لإيران. ولكن في الحقيقة، كانت سياسة الولايات المتحدة في الأساس عكس ذلك تماما.
وعندما قال الرئيس أوباما أن “على الأسد التنحي” في آب 2011 ورسم “خطا أحمر” حول أسلحة الدمار الشامل الكيميائية في آب وكانون الأول 2012، لم تكن لديه أي نية لفرض أي منهما. وفي كانون الأول 2011، قال أوباما لنوري المالكي، الذي تمتد علاقته مع الاستخبارات الإيرانية إلى عقود: “لا نية لدينا للتدخل العسكري” في سورية. عمليا، نجحت حملة دعاية النظام. وكانت الولايات المتحدة تُعبِّر عن شكوك حول الانتفاضة السورية من حيث التذكير بنقاط حديث بشار الأسد في أوائل العام 2012، وبعدها بقليل، أصبحت نجاة الأسد جزءا من إعادة تنظيم أوسع للسياسة الأمريكية.
وصل أوباما إلى مكتبه عازما على تقليل التواجد الأميركي في الشرق الأوسط، حيث كانت الولايات المتحدة “مفرطة في استثمارها” كما قال مستشار الأمن القومي السابق لأوباما، توماس دوتيلون. وتنازل الرئيس عن سياسة الانغلاق مع إيران كوسيلة لتحقيق ذلك.
وعن طريق احترام أسهم إيران في المنطقة وإيجاد مجالات ذات مصالح مشتركة –كقتال الدولة الإسلامية (حتى لو كانت هذه المصالح المشتركة وهمية)- أملَ أوباما أن تخلق توازنا يضبط نفسه بأقل تدخل ممكن للولايات المتحدة. كم أن الإتفاق النووي، يسهل التقارب، ويزيل قضية شائكة من العلاقات الأميركية الإيرانية ويعطي طهران القابلية للوصول إلى المواد الأولية لمتابعة هذه المصالح المتداخلة.
بطبيعة الحال، كان هذا ضرباً من الخيال، ولكن كان له آثار عملية. وتمتلك إيران فيلق القدس وغيره من الأدوات الغير متماثلة التي تعني أن أي محاولة لإيجاد توازن بين إيران وجيرانها، سيُرجح الكفة لإيران. وقد وجدت الأخيرة، بانخفاض استثمار الولايات المتحدة في المنطقة، فرصة لإنشاء هيمنتها الخاصة، ومع الدعم الروسي، كانت إيران على الطريق الصحيح. ولما كانت الولايات المتحدة تريد اتفاقا مكتوبا – بدلا من التأكد من من نزع سلاح إيران- فهذا يعني أن كفة المفاوضات تميل لإيران، ويعني أيضا، أن إيران قد تنتزع تنازلات في المنطقة، مع تهديد ضمني بترك طاولة المفاوضات إذا لم تحصل على تلك التنازلات.
وللحفاظ على الإتفاق النووي ومفهوم أوباما لنظام إقليمي جديد، أُعطيت سورية لإيران باعتبارها منطقة نفوذ. وكانت إيران قد أُبلغت في وقت مبكر، عندما بدأت الولايات المتحدة بقصف الدولة الإسلامية، وقيل لها أن الأسد لن يكون مُستهدفا، مُعطية الأسد ضمانا أمنيا أمريكيا تحت الأمر الواقع. وعمدت إيران على التأكد من ذلك عن طريق تحويل القوات الأمريكية في العراق إلى رهائن، معطية بذلك أوباما تسويغا لعدم إزعاج طهران في سورية.
وهكذا فإن الصياغة الكاملة للمقالات، خاطئ. لكن مرجع ذلك يعود إلى التحليل السيء، والإعتماد المفرط على التصريحات العلنية والرسائل التي تطلقها إدارة أوباما، بدلا من التركيز على أفعالها. لكن أجزاء أخرى من المقالة، لم تكن عرضة للتفسيرات البريئة!
الأسد المنقذ
في غضون شهر من التدخل الروسي، نزح أكثر من 35000 شخص من قريتين فقط في حلب، كما نزح أكثر من 120000 شخص أو أكثر في المجموع بسبب قصف الطيران الروسي، أو بسبب دعم القوة الجوية الروسية لهجمات من قبل قوات موالية للنظام، تقودها عادة قوات أجنبية تسيطر عليها إيران. وفي غضون أيام من تمكين روسيا للقوات البرية الموالية للنظام، لقطع خط الإمداد الأخير من تركيا إلى المتمردين في شرق مدينة حلب في 3 شباط، فرَّ 70000 من المدنيين، خوفا من فرض الحصار والتجويع الذي سبق أن طبقه النظام في 49 موقعا آخر. وأصبح العديد ممن تبقى في مدينة حلب، محاصرين لسبب أو لآخر، فمثلا، لأنهم نازحون أصلا ولا يملكون الموارد الكافية للتنقل مرّة أخرى، أو أنهم كبار في السّن. حيث كانت هذه القضية حاسمة إلى حد ما، لكي يذهب الناس إلى ظروف وأماكن أكثر أمانا وفائدة.
ووفقا لمنظمة العفو الدولية، ارتكبت روسيا جرائم حرب فاضحة ومباشرة. تستهدف المدنيين عمدا، ومن ثم تتابع هجماتها على أول من يرد على جرائمها، في حملة بلا رحمة، تهدف إلى ترويع السكان لحملهم على الخضوع.
هذه الأعمال الوحشية المزدوجة، ضدّ مجموعات مثل الدفاع المدني (الخوذات البيضاء)، التي أنقذت عشرات الآلاف من الأرواح، كان قد تم توثيقها مرارا وتكرار. كما استهدفت روسيا أيضا البنى التحتية المدنية، كالمشافي والمدارس بشكل ممنهج. لم تكن الرِقة، إحدى صفات موسكو القيادية، ولم تكن المستشفى التي قصفتها طائراتها كأي مستشفى، بل كانت مستشفى للأطفال المرضى والمصابين بالعجز جراء قصف الغارات الروسية على الأرض الإثنين الماضي.
في الوقت نفسه، كان نظام الأسد الذي تدعمه إيران وروسيا في كل المراحل، لا يحمل المسؤولية الأخلاقية عن كل حالة وفاة في هذه الحرب وحسب، فمنذ أن واجه الاحتجاجات السلمية بالذخيرة الحية، وحول الصراع ضدّ النظام إلى حرب دينية كبيرة، وذهب بطريقة ما ليميّز نفسه –متجاوزا الدولة الإسلامية- بمقياس خاص بإجرامه ووحشيته، وكان 600 شاهد وجبل من الوثائق من الداخل السوري قد أوصلوا الأمم المتحدة إلى استنتاج مفاده أن النظام السوري مذنب بالإبادة والاغتصاب، وخمس جرائم أخرى ضدّ الإنسانية، ومجموعة كبيرة من جرائم الحرب.
وقد كشف المنشق قيصر عن تصفية 11000 سجين على الأقل من قبل النظام باستخدام التعذيب والتجويع. ويعتقل النظام حوالي 200,000 شخص في ظروف غير إنسانية. وفي تشرين الثاني 2011، بعد أقل من شهر من إندلاع المقاومة المسلحة المنظمة، أفادت الأمم المتحدة أنه ومن بين التكتيكات التي كان النظام يستخدمها لقمع الانتفاضة، إغتصاب الأطفال الذكور أمام أهاليهم. كما كانوا يضعون الفئران داخل الأعضاء التناسلية للأسرى النساء، مما يسبب لهم نزيفا حادا يؤدي إلى وفاتهم.
لقد قامت الدولة الإسلامية بحرق طيّار حي داخل قفص، ولكن ميليشيات إيران الطائفية، وقوات الدفاع الوطني، تحرق عائلات بأكملها وهي حية داخل بيوتها. وذلك قبل أن يبدأ النظام بتنفيذ أساليبه الحربية –كالقصف المدقعي العشوائي، والبراميل المتفجرة، والغارات الجوية على المدن الأثرية، وأسلحة الدمار الشامل الكيميائية، وأسلحة الكلور الحارق التي تستعمل للترهيب- التي تهدف إلى القتل الجماعي وتشريد الناجين.
هذه ليست معلومات مقصورة على فئة معينة. بمعنى أنه لا حجة لأن يكتب كينزر: “قد شهد الناس أخيرا، بصيصا من الأمل في حلب هذا الشهر” في إشارة إلى احتمالية إعادة الأسد السيطرة على مدينة حلب. وليس هناك عذر أيضا، لسيكس ليكتب –في وقت تستخدم روسيا فيه الحديث عن وقف إطلاق النار للتغطية على تقدم خطوطها الأمامية في حلب، ومكاسبها من العدوان، التي تأمل أن يعترف بها المجتمع الدولي- بأن: “سياسة الولايات المتحدة في فترة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون (كانون الثاني 2009- كانون الثاني 2013) وحتى الآن، كانت تغيير النظام أولاً، ووقف إطلاق النار لاحقاً.
تحويل اللوم
ولأن كل من سيكس وكينزر، يقدمان عالما يكون فيه الأسد فيه هو الضحية، عوضا عن كونه الجاني في الكارثة السورية، فالنتيجة المباشرة لهذا الطرح، هي إلقاء اللوم في مكان آخر. وتماشيا مع دعاية النظام فإن هذا العبء يقع على عاتق الولايات المتحدة بشكل كبير.
وللضغط على هذا الجدال، الذي يقول بأن الأسد هو المظلوم في الحرب، يلوم سيكس الولايات المتحدة على خرق وقف إطلاق النار في آذار 2012. “فقد غرقت جهود كوفي عنان للسلام بسبب إصرار الولايات المتحدة الذي لا يتزعزع بأن تغيير النظام بقيادة الولايات المتحدة يجب أن يسبقه أو على الأقل يرافقه وقف إطلاق النار”. يقول سيكس.
كما يقول كينزر الشيء نفسه: “في عام 2012، انضمت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى تركيا والمملكة العربية السعودية واسرائيل في محاولة ناجحة لقتل خطة سلام كوفي عنان في الأمم المتحدة، لأن ذلك يؤدي إلى استيعاب إيران وإبقاء الأسد في السلطة ولو مؤقتا” ولكن هذا ليس صحيحا.
لقد حثت الولايات المتحدة المعارضة السورية، على عدم استعمال العنف، بعد أن أصبح من الواقع أنه إما أن يدافعوا عن أنفسهم بالقوة، أو يعانوا الموت، وما هو أسوأ، إلى جانب عائلاتهم. وكان الأسد قد خرق وقف إطلاق النار في كانون الثاني 2012، عندما قصف الزبداني وحولها إلى أنقاض. كما خرق اتفاقا آخر لوقف إطلاق النار بشكل حاسم، في الرابع من آذار، –الذي لم يجر أبدا- عندما ارتكب الأسد متعمدا، مجزرةً طائفية في الحولة في أيّار، قاتلا فيها أكثر من مئة مدني.
من الضروري أيضا بالنسبة لسيكس وكينزر أن يقوموا بتشويه سمعة الثوار. إذ يقول سيكس أن الثورة “كانت تمردا بقيادة وكالة الاستخبارات المركزية”. حيث أن “المرتزقة التي أرسلتهم الوكالة للإطاحة بالأسد هم جهاديون راديكاليون”. “إذا عُرضت الحقيقة كاملة، فإن عدة فضائح متعلقة بهذا الشأن، ستنافس فضيحة ووترغيت الشهيرة في هز أسس إنشاء الولايات المتحدة”. يقول سيكس هذا، بدون تقديم أي دليل. كما يشير كينزر إلى الثوار بأنهم “ميليشيات عنيفة” بدأ “استيلاؤهم على حلب بموجة من القمع”
ويتهم كلاً من سيكس وكينزر وسائل الإعلام الغربية بالتستر على حقيقة ما حصل في سورية. حيث يسأل سيكس، مجاوبا: “أين هو الإعلام المؤسساتي في هذه الهزيمة؟”.وكتب كينزر: “جزء كبير من الصحافة الأمريكية، تنشر تقاريرا بعكس ما يحدث في الواقع”. وفي نفس الوقت يشيد كينزر بالمراسلين قائلا: “مراسلون شجعان ومدهشون في منطقة الحرب”. كما يقول: “أن أصواتهم تضيع في خضم الأصوات المتنافرة… والتي يطغى عليها الإجماع في واشنطن”، وتأخذ تعليماتها من “النخبة الحاكمة المفطورة على الكذب” كما وصفهم.
وكون كينزر لم يبعث تقاريره من الداخل السوري، فهذا لا يفسد قضيته، ولكن محاولته للتكلم بالنيابة عمن فعلوا، عندما يعارضون وجهة نظره، تقوض حجته بشكل كبير. مثل ماري كولفين، وأوستين تايس، وجيمس فولي، وسام داغر، ومايك غيغليو، ورانيا أبوزيد، وديفيد إنديرز. من الصعب أن تفكر بأي أحد كان في سورية ويدعم رواية النظام كما يروج لها سيكس وكينزر.
أكاذيب وأوهام
تتميّز مقالات سيكس وكينزر بأنها تحوي مواداً من الصعب أن لا تستنتج دلالتها على أجندة معينة. يتشارك الإثنان في الأجندات، إلا أن سيكس يبدو مشوشا بنظريات المؤامرة من النوع التقليدي جداً.
وقد كتب كينزر: “ليس لدينا معلومات حقيقية حول المقاتلين”. مجدّداً، هذا ليس صحيحاً. فقد شرح السفير السابق للولايات المتحدة في سورية، في منتصف 2014، أن الولايات المتحدة عرفت هوية الثوار “منذ سنين”. وآخرين –من ضمنهم أنا- حاولوا إعطاء تفاصيل تكنيكية، ليس فقط عن مكونات الثورة بالأرقام، ولكن عن الفروق الإيديولوجية والاتصالات بين مختلف المجموعات.
يزعم كينزر نقله عن شخص حلبي قوله: أن الأسد و”حلفاؤه فقط” هم من “يحاربون الدولة الإسلامية”. وهذه كذبة مباشرة. كما أشرت في الأعلى، فإن النظام قد ترك الدولة الإسلامية وحالها، كذلك فعلت روسيا، وركز على القضاء على الثوار القوميين، الذين كانوا، في الحقيقة، يحاربون الدولة الإسلامية. ويهمل كينزر، بما يتناسب مع مصلحة مقالته، حقيقة أن هؤلاء الحلفاء هم جهاديون طائفيون تديرهم إيران، ومنهم ثلاث مجموعات مصنفة كإرهابية وهم: فيلق القدس، وحزب الله اللبناني وكتائب حزب الله.
وفي أغزر مقطع من مقالته، يقول كينزر: “يقول لنا صحافيون في واشنطن، أن جبهة النصرة هي قوة فعالة في سورية، تتكون من “الثوار” أو “المعتدلين” وليست فرعا محليا للقاعدة. كما تصور السعودية على أنها تدعم مقاتلي الجيش الحر، لكنها في الحقيقة، هي الراعي الرسمي للدولة الإسلامية. وكانت تركيا، لأربع سنوات، تدير “خطوط تهريب” لمقاتلين أجانب يريدون الإنضمام للمجموعات الإرهابية في سورية. ولأن الولايات المتحدة تريد البقاء في الجانب الجيد لتركيا، فإننا لا نسمع الكثير عن ذلك. ولا يتم تذكيرنا عادة بأننا وعلى الرغم من رغبتنا بدعم الأكراد والعلمانيين ذوي الخبرة القتالية العالية، فإن تركيا توغل بقتلهم.
كل ما تفعله روسيا وإيران، يوصف بالسلبية، وأنه يزعزع الاستقرار، ببساطة لأن روسيا وإيران يفعلونه، ولأنه خط واشنطن الرسمي.”
إنه لمن المغري أن نتأقلم مع ملاحظة ماري مكارثي حول ليليان هيلمان، ونقول: أن أي كلمة يكتبها كينزر هي كذبة حتى لو كانت “ال التعريف” أو حتى “وَ”.
لم ينكر أحدا أن جبهة النصرة هي فرع القاعدة في سورية، وقد تم الإبلاغ على نطاق واسع، عن دور تركيا باعتبارها بابا مفتوحا أمام الجهاديين السلفيين في بعض أوقات هذه الحرب. والاشتباكات مع حزب العمال الكردستاني، احتلت عناوين الأخبار لأسابيع، ولم يسبق تصوير تركيا بشكل إيجابي في معظم أجزاء التغطية الإعلامية.
يبدو أن الأسطورة التي تقول أن السعودية هي من يموّل الدولة الإسلامية، لن تموت، ولكنها ببساطة غير صحيحة. لقد اختارت الدولة الإسلامية قاصدةً، تجنب نموذج القاعدة في الاعتماد على الداعمين الخارجيين، منذ العام 2005. حتى في أسوأ حالاتها، فلم تحصل الدولة الإسلامية على أكثر من 5% من تمويلها من ممولين أفراد أجانب. ولا شيء من هذه الخمسة بالمئة جاء من الحكومة السعودية. وإذا أراد كينزر أن يبحث عن مصادر تمويل الدولة الإسلامية، فمن الأفضل أن يبدأ من صناعة النفط والغاز المشتركة مع نظام الأسد، والمدعومة من رجال أعمال وتقنيين تحت موافقة الكرملين.
ويختتم سيكس في مذكرة مختلفة نوعا ما: “مقاومة عوارض وكالة الاستخبارات المركزية، تحتاج إلى قيادة رئاسية كبيرة… يعتقد كثير من المؤرخين أن جون كينيدي، أُغتيل نتيجة لمبادرات السلام التي قام بها مع الاتحاد السوفييتي. مبادرات قام بها رغم اعتراض المعارضة اليمينيّة المتشدّدة في وكالة الاستخبارات المركزية وأجزاء أخرى من الحكومة الأمريكية”
لا يصدق “الكثير” من المؤرخين أن جون كينيدي أُغتيل من قبل عناصر “متشدّدة” في الحكومة الأمريكية، أما سيكس، فهو يؤمن بذلك بوضوح، وقد كتب كتابا عن ذلك. أوليفر ستون يؤمن بذلك أيضا. ولكن هناك العديد من الأشخاص الجديين الذين لا يؤمنون بذلك، لسبب بسيط، وهو أنك إذا تفحصت للحظة واحدة، سجل الرئيس كينيدي، كمحارب بارد، ستجده واضح وضوح الشمس.
الخاتمة
عانت سورية من قصور في التقارير، وقد أدى الجهد المشترك بين الأسد والدولة الإسلامية، لتقديم سورية كخيار ثنائي بينهما، إلى حملة رهيبة ضد وسائل الإعلام المستقلة التي تتعارض معهم. وعندما تراجع الأسد من شمال سورية في 2012، وبدأ وكلاء الدولة بملء الفراغ الناتج عن تراجع قواته، كان اختطاف الصحافيين واحدا من أوائل المهام التي قامت بها الدولة الإسلامية، لجعل المنطقة خطرة على الصحافيين، ومنطقة يحتكر النظام (وروسيا وإيران) والدولة الإسلامية تغطيتها الإعلامية. (وهنا كان الثوار منشغلين عن وضع البنى التحتية للإعلام، بخوض حرب على ثلاث جبهات مع النظام والدولة الإسلامية وحزب العمال الكردستاني)
لكن سيكس وكينزر، لم يكونوا محاولةً لتصحيح هذه المشاكل، بل كانوا محاولة منيعة، أقرب إلى حالة والتر دورانتي (كاتب بريطاني في نيويورك تايمز، كان يشغل منصب رئيس مكتب نيويورك تايمز في موسكو لمدة 14 عاما، بين (1922-1936) وربح جائزة بوليتزر لسلسلة تقارير عن الاتحاد السوفييتي، ولكن كان هناك هناك نداءات لسحب جائزته بعد أن أنكر جرائم الحصار والتجويع الجماعي التي ارتكبها الاتحاد السوفييتي في أوكرانيا. ومؤخرا وصفت الصحيفة تقاريره بأنها من أسوأ ما أصدرته الصحيفة في تاريخها) بدلا أن يكونوا كالمراسلين الشجعان الذين يعملون في الداخل السوري والذي يحاول كينزر أن يقتبس منهم لمآرب كاذبة، لتبرئة السفاح وداعميه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق