من حمصي مقهوووور اليكم مايلي:
عشقت الرياضة منذ نعومة أظفاري، كان يوماً مميزاً من أيام الطفولة عندما اقتنت لي والدتي طقم نادي الكرامة الذي كنت أحبه حد الهوس، احتفلنا في شوارع حمص في بداية الثمانينات مع أبو حمدو وأبو الريم وأحمد عيد و محمد جانسيز وزينت صورهم كراساتنا المدرسية، لم نكن نعلم أنه بالتزامن مع تلك الاحتفالات كانت حماه تدك بطيران ودبابات الأسد وتهدم على رؤوس أهلها، كبرنا مع هذا العشق، شاهدنا حافظ الأسد يفتتح دروة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، ويدفع بنجله ولي العهد المنتظر ليلقي كلمة الرياضيين وليقول بالحرف: "نريد أن تحلق في سمائنا طيور النورس لا طائرات القتل والتدمير" ولمّا تجف بعد دماء شهداء حماه وتدمر وتل الزعتر ولبنان، كان احتفالاً تاريخياً ساهمت دول العالم في إعطاء القاتل شرعية عبر الرياضة، وانتهت الملحمة بانتصار منتخب الأسد على منتخب فرنسا في النهائي، فرحنا يومها حد الثمالة، ورفعنا أحمد عيد على الأعناق، لم نكن نعلم أنها صابون فرنسي لغسل يد الأسد من دماء الشعب، ونال الفارس الذهبي الركن ذهبية الفروسية، لم نعلم أنه فيما بعد سيعتقل بطل الفروسية السوري عدنان قصار لعقدين من الزمن حتى يبقى المركز الأول لولي عهد الأسد لا شريك له..
شاهدنا مع الملايين كيف صفع فاروق سرية اللاعب سامر درويش عقب نيله بطاقة حمراء، تجاوزنا هذا التشبيح كما سنتجاوزه مراراً، شاهدت بأم العين كما الآلاف كيف انهالت قطعان قوات حفظ النظام على الحارس الدولي سالم بيطار بالضرب حتى كادت تكسر أضلاعه، في ملعب العباسيين لأنه حاول ثني الجنود عن ضرب الجمهور بالقنابل المسيلة للدموع، كان دخولنا إلى الملاعب أشبه بدخول منطقة عسكرية، وخروجنا منها بأقل الأضرار نجاح باهر..
عشنا فترة سطوة فريق الجيش على البطولات واحتكار اللاعبين، وشراء الحكام، عايشنا تجول فتية من آل الأسد ملعب جبلة بالرشاشات الحربية في الثمانينات، ودخول فواز الأسد بسيارته ومرافقيه المدججين لتخويف اللاعبين في أرض الملعب..
المنتخب بمن حضر (أو بمن فرض علينا) فقد كان اختيار اللاعبين يتم عبر الرفاق في القيادة، وعبر مكتب الشبيبة والرياضة، وليس عبر الفنيين المختصين، عايشينا وجوه بؤس كسميح مدلل وسعيد حمادي الذي كان ينقل لنا تحيات رفاقه في القيادة على الدوام..
كان عدنان بوظو إشراقة الرياضة في بلادنا رغم ما يقال عن إبعاده لأيمن جادة الذي تبوأ أعلى المناصب الرياضية في الجزيرة الرياضية، ورغم أنه كان يردد كلمته الشهيرة قبيل كل مباراة لمنتخب سورية: "أيها اللاعبون وصلني الآن، اتصال من القصر الجمهوري يفيد بأن عيون القائد ترقبكم" أي أن حافظ الأسد سوف يشاهد المباراة، فلم نكن ندري أنها نوع من التحميس أو التهديد..
سافرت إلى لبنان لأشجع المنتخب السوري في نهائي كأس العرب في بيروت، وشاهدت بنفسي قطعان مايسمى الجمهور السوري الذي كان خليطاً من الأمن والمخابرات والقوات السورية في لبنان، ورأيتهم كيف يكسرون الملعب ويشوهون صورة السوريين ويمعنون في إذلال اللبنانيين الذين يعتقدون بدورهم أن كل سوري هو غازي كنعان مجرم سورية ولبنان..
عاصرنا عمالقة الرياضة في سورية مثل العقيد فيليب الشايب والعميد أحمد عزام والعقيد حسن سويدان واللواء موفق جمعة وفاروق سرية وأحمد جبنا وتوفيق سرحان، حتى لتشعر نفسك في كتيبة عسكرية وليس في اتحاد رياضي..
كنا من جيل المخضرمين الذي عاصر انتقال السطوة من الحزب والأمن المخابرات إلى المال الذي يحرك الحزب والمخابرات، فعندما فاز محمد حربا ورفاقه الرياضيين برئاسة نادي الكرامة بمساعدة الرفاق في الحزب، انتقلت جبهة المال عن طريق الحبال والكالو إلى دمشق إلى (معلمينهم) في الحزب الرفيق سعيد بخيتان والرفيقة شاهيناز فاكوش، وصدر قرار من القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي القائد للدولة والمجتمع بحل إدارة نادي الكرمة (المنتخبة ديمقراطياً) وتشكيل إدارة جديدة برئاسة الدندشي (زلمة) رامي مخلوف ورفاقه.. وفاز كبار الحزب على صغار الحزب..
عقب عودتهم من إيران منتصرين على سابا باتري استدعي فريق الكرامة إلى الأمن السياسي، والتهمة هي سجود اللاعبين بعد كل هدف سجلوه، في خطوة اعتبرها الأمن السياسي حركة طائفية استفزازية في الأرض الايرانية، وتمت لفلفة الموضوع بعد ذلك عن طريق ناجي العطري محافظ حمص ووزيراً فيما بعد والذي كان رئيساً فخرياً لنادي الكرامة..
خسر الكرامة نهائي دوري أبطال آسيا الحلم على أرضه حمص رغم فوزه على الفريق الكوري، لكن وجه الأسد النحس حال دون البطولة، الأمر الذي اعتبره بعض كلاب السلطان مكرمة أهم من البطولة بحد ذاتها، الايجابي في الخسارة أن الأسد يومها لم (يتبروظ) على حساب الرياضة كعادة الطغاة، في مكان آخر وفي الوقت نفسه رفعت دعوى قضائية ضد انجيلا ميركل لأنها دخلت غرفة لاعبي المنتخب الألماني لتهنئتهم على الفوز الأمر الذي اعتبره الاعلام محاولة لكسب شعبية قبيل الانتخابات..
أعترف وأنا بملء إرادتي أنه تم تدجيني، وأنا وكثير من أبناء جيلي، الذين لم يكونوا يدرون شيئاً عن إجرام الأسد، قبل أن يجرؤ أهلنا على إفشاء الحقيقة بهدوء دون أن تسمعهم آذان الجدران، ويتم الآن تدجين الشباب السوري المتحمس للوقوف وراء منتخب البراميل والقصف الذي لم يتوقف يوماً واحداً منذ سبعة أعوام، وقياس الوطنية بالرياضة، وتهيئة الرأي العام لنسب هذا الانجاز إلى قائد الوطن وقائد الرياضة وقائد كل شيء..
بعد كل الحقائق أعلاه، يأتيك إمعة ليقول ما دخل السياسة بالرياضة..
ربما لن أستطيع أن أكره الرياضة التي عشت طفولتي وشبابي بحماسها، لكنني سأنهي محاولات الطغاة لتدجيني ومساعدتهم في إضفاء شرعية على وجودهم، وسأرفضهم وجودهم في حياتنا حتى من نافذة الرياضة، وسأدعو الله ألا ترتفع لهم راية، ولو كانت رياضية بريئة في الظاهر لكنها ملوثة بدماء الأبرياء وأنات الجرحى وآلام المعتقلين..
مختار جانسيز
Moktar H Jansiz
عشقت الرياضة منذ نعومة أظفاري، كان يوماً مميزاً من أيام الطفولة عندما اقتنت لي والدتي طقم نادي الكرامة الذي كنت أحبه حد الهوس، احتفلنا في شوارع حمص في بداية الثمانينات مع أبو حمدو وأبو الريم وأحمد عيد و محمد جانسيز وزينت صورهم كراساتنا المدرسية، لم نكن نعلم أنه بالتزامن مع تلك الاحتفالات كانت حماه تدك بطيران ودبابات الأسد وتهدم على رؤوس أهلها، كبرنا مع هذا العشق، شاهدنا حافظ الأسد يفتتح دروة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، ويدفع بنجله ولي العهد المنتظر ليلقي كلمة الرياضيين وليقول بالحرف: "نريد أن تحلق في سمائنا طيور النورس لا طائرات القتل والتدمير" ولمّا تجف بعد دماء شهداء حماه وتدمر وتل الزعتر ولبنان، كان احتفالاً تاريخياً ساهمت دول العالم في إعطاء القاتل شرعية عبر الرياضة، وانتهت الملحمة بانتصار منتخب الأسد على منتخب فرنسا في النهائي، فرحنا يومها حد الثمالة، ورفعنا أحمد عيد على الأعناق، لم نكن نعلم أنها صابون فرنسي لغسل يد الأسد من دماء الشعب، ونال الفارس الذهبي الركن ذهبية الفروسية، لم نعلم أنه فيما بعد سيعتقل بطل الفروسية السوري عدنان قصار لعقدين من الزمن حتى يبقى المركز الأول لولي عهد الأسد لا شريك له..
شاهدنا مع الملايين كيف صفع فاروق سرية اللاعب سامر درويش عقب نيله بطاقة حمراء، تجاوزنا هذا التشبيح كما سنتجاوزه مراراً، شاهدت بأم العين كما الآلاف كيف انهالت قطعان قوات حفظ النظام على الحارس الدولي سالم بيطار بالضرب حتى كادت تكسر أضلاعه، في ملعب العباسيين لأنه حاول ثني الجنود عن ضرب الجمهور بالقنابل المسيلة للدموع، كان دخولنا إلى الملاعب أشبه بدخول منطقة عسكرية، وخروجنا منها بأقل الأضرار نجاح باهر..
عشنا فترة سطوة فريق الجيش على البطولات واحتكار اللاعبين، وشراء الحكام، عايشنا تجول فتية من آل الأسد ملعب جبلة بالرشاشات الحربية في الثمانينات، ودخول فواز الأسد بسيارته ومرافقيه المدججين لتخويف اللاعبين في أرض الملعب..
المنتخب بمن حضر (أو بمن فرض علينا) فقد كان اختيار اللاعبين يتم عبر الرفاق في القيادة، وعبر مكتب الشبيبة والرياضة، وليس عبر الفنيين المختصين، عايشينا وجوه بؤس كسميح مدلل وسعيد حمادي الذي كان ينقل لنا تحيات رفاقه في القيادة على الدوام..
كان عدنان بوظو إشراقة الرياضة في بلادنا رغم ما يقال عن إبعاده لأيمن جادة الذي تبوأ أعلى المناصب الرياضية في الجزيرة الرياضية، ورغم أنه كان يردد كلمته الشهيرة قبيل كل مباراة لمنتخب سورية: "أيها اللاعبون وصلني الآن، اتصال من القصر الجمهوري يفيد بأن عيون القائد ترقبكم" أي أن حافظ الأسد سوف يشاهد المباراة، فلم نكن ندري أنها نوع من التحميس أو التهديد..
سافرت إلى لبنان لأشجع المنتخب السوري في نهائي كأس العرب في بيروت، وشاهدت بنفسي قطعان مايسمى الجمهور السوري الذي كان خليطاً من الأمن والمخابرات والقوات السورية في لبنان، ورأيتهم كيف يكسرون الملعب ويشوهون صورة السوريين ويمعنون في إذلال اللبنانيين الذين يعتقدون بدورهم أن كل سوري هو غازي كنعان مجرم سورية ولبنان..
عاصرنا عمالقة الرياضة في سورية مثل العقيد فيليب الشايب والعميد أحمد عزام والعقيد حسن سويدان واللواء موفق جمعة وفاروق سرية وأحمد جبنا وتوفيق سرحان، حتى لتشعر نفسك في كتيبة عسكرية وليس في اتحاد رياضي..
كنا من جيل المخضرمين الذي عاصر انتقال السطوة من الحزب والأمن المخابرات إلى المال الذي يحرك الحزب والمخابرات، فعندما فاز محمد حربا ورفاقه الرياضيين برئاسة نادي الكرامة بمساعدة الرفاق في الحزب، انتقلت جبهة المال عن طريق الحبال والكالو إلى دمشق إلى (معلمينهم) في الحزب الرفيق سعيد بخيتان والرفيقة شاهيناز فاكوش، وصدر قرار من القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي القائد للدولة والمجتمع بحل إدارة نادي الكرمة (المنتخبة ديمقراطياً) وتشكيل إدارة جديدة برئاسة الدندشي (زلمة) رامي مخلوف ورفاقه.. وفاز كبار الحزب على صغار الحزب..
عقب عودتهم من إيران منتصرين على سابا باتري استدعي فريق الكرامة إلى الأمن السياسي، والتهمة هي سجود اللاعبين بعد كل هدف سجلوه، في خطوة اعتبرها الأمن السياسي حركة طائفية استفزازية في الأرض الايرانية، وتمت لفلفة الموضوع بعد ذلك عن طريق ناجي العطري محافظ حمص ووزيراً فيما بعد والذي كان رئيساً فخرياً لنادي الكرامة..
خسر الكرامة نهائي دوري أبطال آسيا الحلم على أرضه حمص رغم فوزه على الفريق الكوري، لكن وجه الأسد النحس حال دون البطولة، الأمر الذي اعتبره بعض كلاب السلطان مكرمة أهم من البطولة بحد ذاتها، الايجابي في الخسارة أن الأسد يومها لم (يتبروظ) على حساب الرياضة كعادة الطغاة، في مكان آخر وفي الوقت نفسه رفعت دعوى قضائية ضد انجيلا ميركل لأنها دخلت غرفة لاعبي المنتخب الألماني لتهنئتهم على الفوز الأمر الذي اعتبره الاعلام محاولة لكسب شعبية قبيل الانتخابات..
أعترف وأنا بملء إرادتي أنه تم تدجيني، وأنا وكثير من أبناء جيلي، الذين لم يكونوا يدرون شيئاً عن إجرام الأسد، قبل أن يجرؤ أهلنا على إفشاء الحقيقة بهدوء دون أن تسمعهم آذان الجدران، ويتم الآن تدجين الشباب السوري المتحمس للوقوف وراء منتخب البراميل والقصف الذي لم يتوقف يوماً واحداً منذ سبعة أعوام، وقياس الوطنية بالرياضة، وتهيئة الرأي العام لنسب هذا الانجاز إلى قائد الوطن وقائد الرياضة وقائد كل شيء..
بعد كل الحقائق أعلاه، يأتيك إمعة ليقول ما دخل السياسة بالرياضة..
ربما لن أستطيع أن أكره الرياضة التي عشت طفولتي وشبابي بحماسها، لكنني سأنهي محاولات الطغاة لتدجيني ومساعدتهم في إضفاء شرعية على وجودهم، وسأرفضهم وجودهم في حياتنا حتى من نافذة الرياضة، وسأدعو الله ألا ترتفع لهم راية، ولو كانت رياضية بريئة في الظاهر لكنها ملوثة بدماء الأبرياء وأنات الجرحى وآلام المعتقلين..
مختار جانسيز
Moktar H Jansiz
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق